مِن آداب إلاسلام في الكلام والمُناقشة
مقال كتبه الدكتور عبدالكريم زيدان ونشر في مجلة التربية الاسلامية بعددها الصادر في ذو الحجة 1393هـ / 25 كانون الاول 1973م يتضمن مجموعة من الوصايا للمسلم في الكلام والمناقشة مع الغير مستقاة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
بقلم الدكتور عبدالكريم زيدان
هناك ادآب يجب على الشخص مراعاتها اثناء الكلام مع الغير ومناقشته له, وهذه الآداب بجملتها دعا اليها الاسلام او اشار اليها, أو هي مما تقتضيه قواعده واصوله, وهي بعد ذلك من معاني الاخلاق الاسلامية ولوازمها. و ليعلم المسلم انه مؤاخذ بما يقول ومحاسب عليه او رب كلمة يقولها لا يلقي لها بالا تهوي به في النار, وفي الحديث الشريف (... وهل يكب الناس في النار على وجوههم الا حصاد السنتهم).
فمن هذه الآداب:
1) عدم اكثار الكلام في المجالس, وليكن شعار المسلم ان يسمع اكثر مما يتكلم, لان كثرة الكلام بغير ذكر الله يقسي القلب. جاء في الحديث الشريف عن النبي ﷺ (لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله تعالى، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي).
2) المسلم يسمع كثيراً من الاخبار والاقوال, فلا ينبغي ان يحدث الناس بكل ما سمع, فأن ذلك قد يجره الى الكذب, جاء في الحديث الشريف (كفى بالمرء كذباً ان يحدث بكل ما سمع) وتأويل ذلك انه يسمع الصدق والكذب فان حدث بكل ما سمع فقد كذب لأخباره بما لم يكن, هكذا فسر العلماء هذا الحديث الشريف.
3) ان يبتعد المسلم عن غيبة الاخرين, والغيبة كما جاءت في حديث رسول الله ﷺ ذكرك اخاك بما يكره, حتى وان كان ما تقوله موجودا فيه, اما اذا لم يكن ما تقوله عنه موجودا فيه فهذا هو البهتان كما جاء في الحديث. واذا كانت الغيبة منهيا عنها فسماعها كذلك, فينبغي للمسلم ان يسعى لتحويل حديث المغتابين الى حديث غيره هو أسلم لدينهم وانفع للسامعين.
4) لا يجوز الفُحشَ في الكلام لا على وجه الجد ولا على وجه الهزل فأن الله تعالى يبغض الفاحش البذيء كما جاء في حديث رسول الله ﷺ ومن البذاءة الطعن واللعن والسباب, زكل اولئك مكروه في ميزان الاسلام, جاء في الحديث الشريف: (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء). وفي حديث اخر سباب المسلم فسق وقتاله كفر. والمنع من السباب يشمل الاموات كما يشمل الاحياء جاء في حديث رسول الله ﷺ (لا تسبوا الاموات فانهم قد افضوا الى ما قدموا).
5) الابتعاد عن المِرَاءَ والجِدال الذي يراد به الغلبة والاستعلاء على الاخرين, ولهذا كان تركه مطلوبا في الاسلام ومثابا عليه قال ﷺ (أنا زَعيم ببَيتٍ في ربَضِ الجنَّة لِمَنْ تَركَ المِراءَ وإن محقاً).
6) يجب ان يكون النقاش بقصد كشف الحق واظهار الصواب, ولا يهم بعد ذلك ان ظهر الحق وانكشف الصواب من قبلك او من قبل الاخرين, فاذا فات هذا القصد في المناقشة كانت من الهوى وعبث الشيطان ومن الخير قطعهما حالا.
7) ليكن كلام المسلم واضحا بسيطا خاليا من التكلف والتطاول على الناس بكلامه, خالبا من التفاصح والتعظم بالكلام واظهار الفضل على الاخرين, والتكبر عليهم, جاء في الحديث الشريف عن النبي ﷺ (وان ابغضكم الي وابعدكم مني يوم القبامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون).
8) ان يكون كلامه هادئا بَيِنّا مسموعاً للحاضرين ومفهوما عندهم فقد كان من شمائل النبي ﷺ انه اذا تكلم بكلمة اعادها ثلاثا حتى تفهم عنه وكان فصلا يفهمه كل من يسمعه. وهذا يقتضي ان يبتعد المحدث عن الكلمات الغريبة غير المألوفة لدى السامعين ولا حاجة لها, وقد يفعل هذا رغبة منه في اظهار فضله أو اعلام الآخرين بقدرته على الكلام وبلاغته, وليس هذا بالمقصد السليم في موازين الاسلام.
9) ان يثَبَتَ المسلم في كل ما يقول, فلا يلقي القول جزافا, قال تعالى (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)
10) اذا كان مع اثنين فلا يختص بأحدهما فينّاجيه ويكلمه سرا بحيث لا يسمعه الثالث, أو يكلمه بلغة لا يفهمها الاخر, لان ذلك يوحش قلبه, قال ﷺ (اذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث).
11) ان يترك الحديث عن الآمه ومشاكله واحزانه, فأن ذلك لا ينفعه, وهو من قبيل الشكوى الى الناس, وهو خلاف الادب القرآني, قال تعالى حكاية عن نبيه يعقوب عليه السلام, (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ) وايضا فان للناس هموهم ومشاكلهم فلا يرغبون في سماع هموم الآخرين.
12) ليكن حديثك وجدالك بأسلوب هَيّن ليْن خال من الايذاء والتحقير والاستهزاء بالآخرين. فقد أمر الله تعالى نبيه موسى واخاه هاون, وقد ارسلهما الى فرعون (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ).
13) لا تقاطع غيرك اذا تكلم واصغ الى كلامه حتى يفرغ منه, ثم عقب عليه بما ينفع ويفيد ان كان في التعقيب حاجة او فائدة.
14) لا ترد على الآخرين كلامهم كله اذا رأيت فيه خطأ أو باطلا فان الصواب لا يرد اذا اقترن به خطأ, والحق لا يرد اذا اقترن به باطل, وانما يجب قبول الصواب والحق ورد الخطأ والباطل. ولهذا ذم الله تعالى اليهود والنصارى لرد كل طائفة ما عند الاخرى من حق وباطل. قال تعالى (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ).
15) ليكن حديثك ذا مغزى ومعنى وهدف نبيل تقصده لا ان يكون لمجرد الكلام واضاعة الوقت.
16) تجنب الأيمَان والقسم بالله في حديثك, واجعل السامع يصدقك بلا يمين يما تعوده من قول الصدق وذكر الحقائق.
17) لا تغضب , واحمل نفسك على ان تكظم غضبها, ولا تتكلم وانت غضبان, ولا تجادل وانت غضبان, فان الغضب يذهب بالحجة ويفلت اللسان من عقاله فيأتي بما يشين.
وبعد فهذه بعض أداب الحديث والمناقشة, يحتاجها المسلم في علاقاته مع الآخرين ومجالسته لهم, وهي سهلة في القول صعبة في التطبيق, ولكن مع العزم على مراعاتها بعد الاستعانة بالله تصير ان شاء تعالى سهلة في التطبيق كما هي سهلة في القول والله المستعان والحمد لله.
الدكتور عبدالكريم زيدان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق