لبْس الدُّبْلَة للرجل والمرأة، في أي وقت جائز ولا بأس به؟
الدليل على ذلك من السنة النبوية، وأقوال علماء الأمة.
١- عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اتخذ خاتمًا من وَرِق -أي: فضة- نقشه: محمد رسول الله".ورد في "الصحيحين"
#ولكن هذا الجواز مقيد بألَّا يكون الخاتم من ذهب فإنه حينئذ يمتنع لبسه على الرجال ويحل للنساء؛
#وذلك لما رواه أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «حُرِّمَ لِبَاسُ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي، وَأُحِلَّ لإِنَاثِهِمْ»رواه الترمذي.
#وكذلك ما رواه أبو داود عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذ حريرًا فجعله في يمينه، وأخذ ذهبًا فجعله في شماله ثم قال: «إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي».
١- يقول شيخ الإسلام زكريا الأنصاري: [(وحرم عليهما أصبع) من ذهب أو فضة، فاليد بطريق الأولى (وحلي ذهب وسن خاتم منه) أي من الذهب]شرح المنهج" (2/ 31، ط. الحلبي)
٢- علق الشيخ البجيرمي في "حاشيته" على قوله: (وسن خاتم منه) قائلًا: [والسن هو الشعبة التي يستمسك بها الفص لا الدبلة التي تجعل في الأصبع فإنها من قبيل الخاتم فتحرم من الذهب وتجوز من الفضة] اهـ.
٣- يقول الإمام ابن حجر الهيتمي في: [(ويحل له) أي الرجل (من الفضة الخاتم) #إجماعًا، بل يسن ولو في اليسار، لكنه في اليمين أفضل؛ لأنه الأكثر في الأحاديث، وكونه صار شعارًا للروافض لا أثر له، ويجوز بفصٍّ منه أو من غيره ودونه، وبه يعلم حل الحَلْقَة؛ إذ غايتها أنها خاتم بلا فصّ] اهـ.
تحفة المحتاج" (3/ 276، ط. دار إحياء التراث العربي)
#هذا_فيما_يتعلق_بلبس_الدبلة_من_حيث_هو_أما_لبسها_بهيئة_معينة_يجعلها_علامة_على_الخطبة_أو_التزوج فلا بأس به أيضًا؛ لكون هذا الفعل داخلًا تحت العادات.
والعادات تشمل كل متكرر من الأقوال والأفعال سواء أكان صادرًا من الفرد أو الجماعة، وسواء أكان مصدره أمرًا طبعيًّا أو عقليًّا أو غير ذلك. يُراجع: "العرف والعادة" للدكتور أحمد فهمي أبي سنة (ص: 10، ط. مطبعة الأزهر 1947م).
والأصل في العادات الإباحة ما دامت لا تتعارض مع الشرع فيستصحب الحِلُّ فيها؛
#يقول الشيخ تقي الدين ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (4/ 13، ط. دار الكتب العلمية): [والعادات الأصل فيها العفو، فلا يحظر منها إلا ما حرمه الله وإلا دخلنا في معنى قوله: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا﴾ [يونس: 59]؛ ولهذا ذم الله المشركين الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله، وحرموا ما لم يحرمه في سورة الأنعام من قوله: ﴿وَجَعَلُوا للهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا للهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَمَا كَانَ للهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ۞ وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام: 136-137] اهـ.
ولا يقال: إن هذا الفعل من أفعال غير المسلمين فيصير التلبس به تشبُّهًا بهم؛ لأنا لو سلمنا هذا فغايته أن يكون من أمور العادات، وما كان من العادات وانتفى فيه قصد التشبه لا يكون ممنوعًا؛ فقد صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في جبة شامية كما روي في "الصحيحين" من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، وترجم الإمام البخاري لهذا الباب بقوله: "باب الصلاة في الجبة الشامية".
وعلَّق الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (1/ 473، ط. دار المعرفة) على هذا فقال: [هذه الترجمة معقودة لجواز الصلاة في ثياب الكفَّار ما لم يتحقق نجاستها، وإنما عبر بالشَّامية مراعاة للفظ الحديث، وكانت الشام إذ ذاك دار كفر] اهـ.
وكذلك قد حاكى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الأعاجم في عمل الدواوين ولم يكن فعله ممنوعًا. يُراجع: "الأحكام السلطانية" للعلامة الماوردي (ص: 249، ط. دار الكتب العلمية).
والمسلمون الآن يلبسون ألبسة أصل هيئتها أنها لغير المسلمين ولم يُعَدّ هذا تشبهًا بهم؛ لأنه قد تُنوسي أصل التشبه فلم يَعُد شعارًا لهم، ونظير هذا الدبلة؛ فيقال: إنها عادة شاعت بين الناس، وتُنوسي أصلها، لو كان.
ثم إن التشبه لا يُسمى تشبهًا بمجرد حصول المشابهة، بل لا بد من القصد والتوجه لحصول الشبه؛ لأن التشبه: تَفَعُّل، وهذه المادة تدل على انعقاد النية والتوجه إلى قصد الفعل ومعاناته؛
#قال الإمام السيوطي في "همع الهوامع" (3/ 305، ط. المكتبة التوفيقية): [(وَتفعل) وَهُوَ (لمطاوعة فعل) ككسرته فتكسر وعلّمته فتعلم (والتكلف)؛ كتحلم وتصبر وتشجع، إِذا تكلّف الْحلم وَالصَّبْر والشجاعة، وَكَانَ غير مطبوع عَلَيْهَا] اهـ.
فالتشبه المنهي عنه لا يتحقق معناه إلا إذا قصده المتشبه وتعمده؛ ويدل على ذلك أيضًا ما رواه الإمام مسلم في "صحيحه" عن جابر رضي الله عنه قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد فالتفت إلينا فرآنا قيامًا فأشار إلينا فقعدنا فلما سَلَّم قال: «إِنْ كِدْتُمْ آنِفًا لَتَفْعَلُونَ فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ؛ يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ، فَلاَ تَفْعَلُوا، ائْتَمُّوا بِأَئِمَّتِكُمْ: إِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا». و"كاد" تدل في الإثبات على انتفاء خبرها مع مقاربة وقوعه، وفعل فارس والروم وقع منهم فعلًا لكن الصحابة لما لم يقصدوا التشبه انتفى ذلك الوصف عنهم شرعًا.
وقد صرَّح بعض الفقهاء بهذا في كتبهم؛ يقول العلامة ابن نجيم الحنفي في "شرح الكنز" (2/ 11، ط. دار الكتاب الإسلامي): [اعلم أن التشبيه بأهل الكتاب لا يُكرَه في كل شيء، وإنَّا نأكل ونشرب كما يفعلون، إنما الحرام هو التشبه فيما كان مذمومًا وفيما يقصد به التشبيه] اهـ.
منقول بتصرف يسير من موقع دار الإفتاء..
لُبس الدُّبْلَة ليس ممنوعًا شرعًا؛ سواء كان لُبْسها مطلقًا أو لجعلها علامةً على الخطبة أو التزوج، #بشرط
١- ألَّا تكون من الذهب للرجال،
٢- وأن لا يعتقد من يلبسها أنها مؤثرة بذاتها في بقاء المحبة بينه وبين زوجه، أو يتشاءم إذا خُلِعَت أو تغيَّر موضعها في أصابع اليد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق