بسم الله الرحمان الرحيم
لله الحمد والمنة والفضل، هو أهل للحمد والثناء الجميل لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه نستغفره ونتوب إليه، ونصلي على الحبيب سيدنا محمد بن عبد الله رسول الله القائل "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ويلهمه رشده"، وعلى ءاله وصحبه وكل من اهتدى لهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.
وبعد، فهذا بحث قيم في موضوع متصل بفقه الصلاة كما أخذ به أسلافنا، ودرسوه وعلموه، وعملوا بمقتضاه كابرا عن كابر عليهم رحمة الله تعالى، وقد أشار الإمام عبد الواحد بن عاشر في مرشده المعين على الضروري من علوم الدين إلى هذا الموضوع، فقال وهو يتحدث عن مندوبات الصلاة.
سدل يد تكبيره مع المشروع.
قال شارحه الإمام ميارة:
السابع (أي من مندوبات الصلاة) سدل اليدين أي إرسالهما لجنبه.
قال صاحب دليل السالك لمذهب الإمام مالك وهو يتحدث عن مندوبات الصلاة: رفع اليدين حين تكبيرة الإحرام فقط وإرسالهما بوقار.
وكثيرا ما أثير الكلام حول السدل في الصلاة، وأوغل البعض في تبديع من يأخذ به، بل لقد تطاول البعض فخطأ الإمام ابن عاشر فيما قاله معتمدا على أن لا دليل على سنية سدل اليدين في الصلاة.
وهذا الجهد الجليل من فضيلة العلامة مولاي البشير أعمون عضو المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيرات تمارة يتضمن بيانا شافيا لسنية سدل اليدين في الصلاة، وأنه كان فعل النبي في أول أمره، وعليه بقي العمل عند المالكية كما حكى ذلك ابن القاسم تلميذ الإمام مالك رحمه الله وحامل فقهه إلى المغرب من أدناه إلى أقصاه.
جزى الله أستاذنا الفاضل خيرا وأجزل مثوبته وتقبل منا ومنه خالص العمل إنه تعالى ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم باسم الله الرحمان الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين، وعلى آله وصحابته أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
أما بعد، فإنك أيها الأخ السائل الكريم، توجهت إلي بسؤال عن أدلة جواز السدل في الصلاة، وعن حكمه هل هو سنة أو مندوب أو مكروه أو ماذا؟
فاعلم نور الله بصيرتي وبصيرتك بنور الفهم أنني لست من فرسان أهل هذا الميدان، ولا من أهل الرسوخ في هذا الفن حتى تسألني عن مثل هذه المسائل العويصة الشائكة، والتي جرى فيها الخلاف بين المذاهب والعلماء، وتناظر فيها الفقهاء، وبحثوا فيها وألفوا، وحققوا ونقحوا وأجادوا وفصلوا وحكموا. فلم يبق لنا – معشر التلاميذ المتأخرين المقلدين – إلا فهم كلامهم واستخلاص العبر من مناقشتهم والأخذ بتوجيهاتهم، لا الإعراض عن تآليفهم والضرب عنها صفحا والاستبداد بالرأي دونهم لأنهم أشياخنا وأساتذتنا ومعلمونا وهم المجتهدون الذين نقحوا النصوص والأصول، وحققوا الفروع والنقول، ولما أردت أن ألبي رغبتك أيها السائل الكريم بجمع ما تيسر لي جمعه وتأليفه وضعت أمامي ما ينيف عن بضعة عشر مؤلفا حول هذا الموضوع لأنتقي وأنتخب منها ما له صلة بمسألتنا باختصار، وبدأت بعدم صحة أخذ المقلد الدليل مباشرة من الكتاب والسنة وأقوال العلماء في ذلك، وسميت هذه النقول المنتقاة بأدلة سنية السدل في الصلاة، ومن الله أرجو الإعانة وبلوغ المأمول، وأسأله القبول.
فقلت: قد أجمع العلماء المحققون على أن المقلد لا يصح منه أن يستدل بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية إلا بعد أخذها من الأئمة المقتدى بهم، فعدم صحة احتجاج المقلد على إثبات حكم أو نفيه بآية أو حديث مجمع عليه، أمر متفق عليه. فالذي عليه الجمهور أنه يجب على من ليس فيه أهلية الاجتهاد أن يقلد أحد الأئمة المجتهدين، وقال بعض الأئمة لا يجوز لعامي أن يترك تقليد الأئمة الأربعة ويأخذ الأحكام من القرآن والأحاديث لأن ذلك له شروط كثيرة مبينة في الأصول، قال ابن عيينة: الحديث مضلة إلا للفقهاء. إلى آخر ما ذكره العلماء في ذلك أنظر نوازل سيدي المهدي الوزاني الكبرى والصغرى، هذا وقد بنى الإمام مالك رضي الله عنه مذهبه على أربعة أصول، الأول آية قرآنية، والثاني حديث صحيح سالم من المعارضة، والثالث إجماع أهل المدينة، الرابع اتفاق جمهورهم وهو العمل، وقد سبقت الإشارة إلى إجماع العلماء على وجوب التقليد على من ليس فيه أهلية الاجتهاد حتى صار معلوما من الدين بالضرورة. ا هـ.
وأما حكم السدل في الصلاة فقد قال عليش في فتاويه: "أما بعد، فاعلم أن سدل اليدين في الصلاة ثابت في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به بإجماع المسلمين، وأجمع الأئمة الأربعة على جوازه فيها واشتهر ذلك عند مقلديهم حتى صار كالمعلوم من الدين بالضرورة وأنه أول وآخر فعليه صلى الله عليه وسلم".
أما الدليل على أنه أول فعليه وأمر به فالحديث الذي أخرجه مالك رضي الله عنه في الموطأ عن سهل بن سعد واقتصر عليه البخاري ومسلم من قوله: "كان الناس يومرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة"، ووجه دلالته أن أمرهم بالوضع المذكور دليل نص على أنهم كانوا يسدلون وإلا كان أمرا بتحصيل الحاصل وهو عبث محال على الشارع صلى الله عليه وسلم. ومن المعلوم بالضرورة أنهم لم يعتادوا السدل ولم يفعلوه إلا لرؤيتهم فعل الرسول صلى الله عليه وسلم إياه وأمرهم به بقوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي" .
وأما الدليل على كونه آخر فعليه وأمريه صلى الله عليه وسلم فهو استمرار عمل الصحابة والتابعين عليه حتى قال مالك في رواية ابن القاسم في المدونة: لا أعرفه، يعني الوضع في الفريضة: إذ لا يجوز جهلهم بآخر حالي الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا مخالفته لملازمتهم له لضبط أحواله واتباعه فيها، فلهذا ضم مالك عملهم للآية المحكمة والحديث الصحيح السالم من معارضة العمل به والإجماع وجعل الأربعة أصول مذهبه.
وأما القبض في الفرض فاختلفوا في كراهته وندبه وإباحته مع اتفاقهم على ثبوت فعله والأمر به من النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الإمام الشعراني في الميزان في جواب شرذمة من البطالين يقولون كيف تترك الآيات والأحاديث الصحيحة وتقلد الأئمة في اجتهادهم المحتمل للخطأ ما نصه: إن تقليد الأئمة في اجتهادهم ليس تركا للآيات والأحاديث الصحيحة بل هو عين التمسك والأخذ بالآيات والأحاديث الصحيحة، فإن القرآن ما وصل إلينا إلا بواسطتهم مع كونهم أعلم ممن بعدهم بناسخه ومنسوخه ومطلقه ومقيده ومجمله ومبينه ومتشابهه ومحكمه وأسباب نزوله ومعانيه وتاويلاته ولغاته وسائر علومه وتلقيهم ذلك عن التابعين المتلقين ذلك عن الصحابة المتلقين ذلك عن الشارع صلى الله عليه وسلم المعصوم من الخطأ الشاهد للقرون الثلاثة بالخيرية.
وكذلك الأحاديث ما وصلت إلينا إلا بواسطتهم مع كونهم أعلم ممن بعدهم بصحيحها وحسنها وضعيفها ومرفوعها ومرسلها ومتواترها وآحادها ومعضلها وغريبها وتاويلها وتاريخها المتقدم والمتأخر والناسخ والمنسوخ وأسبابها ولغاتها وسائر علومها مع تمام ضبطهم وتحريرهم لها وكمال إدراكهم وقوة ديانتهم واعتنائهم وتفرغهم ونور بصائرهم، فلا يخلو أمر هذه الشرذمة من أحد الشيئين: إما نسبة الجهل للأئمة المجمع على كمال علمهم المشار إليه في أحاديث الشارع الصادق عليه الصلاة والسلام، وإما نسبة الضلال وقلة الدين للأئمة الذين هم من خير القرون بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقولهم أيضا لمن قلد مالكا مثلا: نقول لك قال الله تعالى أو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت تقول قال مالك، أو ابن القاسم، أو خليل أو ابن عاشر، إلى آخر جوابه أن قول المقلد قال مالك إلخ معناه قال مالك فاهما من كلام الله أو من كلام رسوله صلى الله عليه وسلم أو متمسكا بعمل الصحابة والتابعين الفاهمين كلام الله أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم والمتأسين بفعل رسوله صلى الله عليه وسلم،ومعنى قوله قال ابن القاسم: أنه نقل عن مالك ما فهمه من كلام الله إلخ، أو أنه فهمه ابن القاسم نفسه من كلام الله إلخ، ومعنى قوله قال خليل مثلا أنه ناقل عمن ذكر.
ومالك وابن القاسم مجمع على إمامتهما وأنهما خير القرون، أما التارك للتقليد يقول: قال الله، أو قال رسول الله مستقلا بفهمه مع عجزه عن ضبط الآية والحديث، ووصل السند، فضلا عن معرفة ناسخه ومنسوخه ومطلقه ومقيده، ومجمله ومبينه، وظاهره ونصه وعامه وخاصه وتأويله وسبب نزوله، ولغاته وسائر علومه، فانظر أيهما يقدم؟ قول المقلد قال مالك الإمام بالإجماع، أو قول الجهول قال الله تعالى أو قال رسول الله؟ فتبين من هذا أن المشهور في مذهب مالك هو كراهة القبض في صلاة الفرض ولا سيما والكراهة هي رواية ابن القاسم في المدونة وعليها عمل أهل المدينة. وفي سنن أبي داود قال حدثنا محمد بن عيسى ابن الطباع قال حدثنا حجاج عن أبي جريج قال: كثيرا ما رأيت عطاء يصلي سادلا.
قال الحفيد ابن رشد في بداية المجتهد، وسبب اختلاف العلماء في القبض في الصلاة هو أنه وردت أحاديث صحيحة في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذكر فيها أنه كان يقبض في صلاته، وثبت أيضا كما في صحيح البخاري أنهم كانوا يومرون بالقبض فيها. فذهب بعض العلماء إلى أن القبض في الآثار التي فيها القبض هي زيادة من ثقة مقبولة، معمول بها وذهب آخرون إلى المصير إلى الآثار التي ليست فيها تلك الزيادة لكون تلك الزيادة ليست مناسبة لأفعال الصلاة، وإنما هي من باب الاستعانة، ولذلك أجازه مالك رضي الله عنه في النفل وكرهه في الفرض باختصار.
أما الأحاديث الواردة في القبض، فليس أكثرها صحاحا ولا حسانا ولا سالما من الضعف بل كلها ما بين موقوف ومضطرب وضعيف، فكل ما ورد في القبض ليس فيه خبر ولا فيه مقال فلا يحتج به بوجه غير حديث وائل عند مسلم مع ما فيه من الخلاف في سنده وإرساله ومتنه، فبقي النظر فيه: هل هناك شيء يخالفه بعموم أو نص صريح أو التزام أو غير ذلك أو لا؟ فإن لم يوجد ما يخالفه أصلا أو وجد ولكن دونه في المرتبة وجب الرجوع إليه عند أهل الأصول بلا خلاف أعلمه، وهنا قد عارض حديث وائل المذكور والأحاديث التي معه في القبض عند مالك أمران: أحدهما حديثان صحيحان، وليس فيهما ما في تلك الطرق التي في القبض من المقال، أحد الحديثين: حديث المسيء في صلاته، قال ابن بطال في شرح البخاري، وحجة من كره ذلك أي القبض، أن النبي صلى الله عليه وسلم علم المسيء في صلاته الصلاة ولم يذكر له القبض نقله عن ابن القصار ولعلهما والله أعلم إنما أرادا حديث رفاعة بن رافع الذي أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين من طرق صحيحة عنه أنه كان جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل فدخل المسجد فصلى فلما قضى صلاته جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى القوم فقال صلى الله عليه وسلم وعليك فارجع فصل فإنك لم تصل قال فرجع فجعلنا نرمق صلاته لا ندري ما نعيب منها فلما قضى صلاته جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى القوم فقال صلى الله عليه وسلم وعليك فارجع فإنك لم تصل وذكر ذلك إما مرتين أو ثلاثا.فقال الرجل ما أدري ما عبت علي من صلاتي قال صلى الله عليه وسلم لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمر الله عز وجل يغسل وجهه ويديه للمرفقين ويسمح رأسه بيديه ورجليه إلى الكعبين ثم يكبر ويحمد الله ويمجده ويقرأ من القرآن ما أذن الله له فيه، ثم يكبر فيركع ويضع كفيه على ركبتيه حتى تطمئن مفاصله ويستوي، ثم يقول سمع الله لمن حمده ويستوي قائما حتى يأخذ كل عظم مأخذه، ثم يقيم صلبه، ثم يكبر فيسجد فيمكن جبهته من السجود حتى تطمئن مفاصله ويستوي، ثم يكبر فيرفع رأسه ويستوي قاعدا على مقعدته ويقيم صلبه، وصف الصلاة هكذا حتى فرغ ثم قال: لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك، قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين وساقه من طرق.
فبهذا والله أعلم احتج الإمام ابن القصار وتبعه ابن بطال على السدل لأنه صلى الله عليه وسلم علم هذا المسيء الصلاة ولم يذكر له القبض مع أنه ذكر له السنن والمندوبات، كيف يصح أن يكون القبض سنة ولم يعلمه له بعد أن علمه السنن و...
وثاني الحديثين حديث أبي حميد الساعدي الذي أخرجه البخاري في الجامع الصحيح والنسائي وأبو داود وغيرهم. واللفظ لأبي داود حدثنا مسدد أنبأنا يحيى قال: أخبرني محمد بن عمرو عن عطاء سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو قتادة، وفي رواية وأبو هريرة ومحمد بن مسلمة وسهل ابن سعد وغيرهم يقول: أنا أعلمكم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم قالوا فلم؟ فوالله ما كنت بأكثرنا تبعا ولا أقدمنا له صحبة قال: قالوا فأعرض. قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يكبر حتى يقر كل عظم في موضعه معتدلا ثم يقرأ ثم يكبر ويرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه معتدلا ثم يركع ويضع راحته على ركبتيه ثم يعتدل ولا يصبو رأسه ولا يقنع، ثم يرفع رأسه فيقول سمع الله لمن حمده، ثم يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه معتدلا، ثم يقول الله أكبر، ثم يهوي إلى الأرض فيجافي بديه عن جنبيه ثم يرفع رأسه ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها ويفتح أصابع رجليه إذا سجد ثم يسجد، ثم يقول: الله أكبر ويرفع ويثنى رجله اليسرى فيقعد عليها حتى يرجع كل عظم إلى موضعه، ثم يصنع في الأخرى مثل ذلك، ثم يقوم من الركعتين فيكبر ويرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما كبر عند افتتاح الصلاة ويصنع ذلك في بقيه صلاته حتى إذا كانت الجلسة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى وقعد متوركا على شقه الأيسر قالوا صدقت هكذا يصلي.
وهذا حديث ابن حنبل وهو كما ترى حجة واضحة في السدل لأن أبا حميد في مقام الاحتجاج على الصحابة المنكرين عليه، أن أعلمهم وأعلم منهم بصفة صلاته صلى الله عليه وسلم لكونهم ما سلموا له أول مرة حيث قالوا له: ما كنت بأكثرنا له تبعا كما جبلت عليه الأقران من التنافس وعدم التسليم للأتراب إلا لما وصف لهم صلاته صلى الله عليه وسلم على سبيل الاستقصاء للسنن والفرائض ولم يترك منها شيئا علمه فقالوا له صدقت. وسلموا له ما ادعاه لكونه أخبرهم بما عندهم فحينئذ لو كان القبض من صفة صلاته صلى الله عليه وسلم لأنكروا عليه قائلين له: يا أبا حميد، تركت أو نسيت أخذ الشمال باليمين لأن المقام مقام الاحتجاج، والعادة قاضية بأنهم يناقشون فيه على أقل شيء فحيث لم يناقشوه في ذلك علمنا أنهم متفقون على ترك القبض في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم، وأنه صلى الله عليه وسلم كان سادلا لأن السدل هو الأصل، والأصل لا يحتاج إلى ذكره، والتمسك به هو الحكم المتفق عليه قلت هذا الحديث صرح فيه بالسدل واضحا عند كل ذي لب سليم وهو في قوله: "حتى يقر كل عظم في موقعه معتدلا".
ولا شك أن موضع اليدين جنباه وذلك هو السدل بعينه وهو دليلنا في الحديث، فإن قيل أبو حميد وأصحابه وإن لم يذكروا القبض فقد ذكره غيرهم فيكون زيادة ثقة وهي مقبولة عند أهل الفن قلنا: المسألة ذات خلاف وعلى التسليم فشرطها التساوي بين الراويين في الوصف كما هو مقرر عندهم، وما هنا ليس كذلك لأن أبا حميد وأصحابه لم يخالفهم من هو أعلم منهم، بل لم يخالفهم من طريق ثابت إلا وائل بن حجر الحضرمي وهو شاسع الدار من أرض حضر موت باليمن ولم يكن ملازما له صلى الله عليه وسلم بل إنما أتاه مرتين بخلاف أبي حميد وأصحابه فإنهم لم يفارقوه منذ صاحبوه فهو أدرى بما كان عليه النبي صلى اله عليه وسلم أولا وآخرا وهذا من المرجحات عند أهل الأصول والأثر ولا أعلم في ذلك خلافا بينهم، ومن عادة أهل الأثر والنظر إذا جاء حديث صحيح وجاء شيء آخر مما يعد معارضا له عندهم التمسوا له شاهدا من حديث آخر ضعيف أو قراءة شاذة أو قياس جلي أو غيره ذلك ليكون عاضدا له، وإذا كان لحديث راو واحد التمسوا له متابعا وإن كان ضعيفا فقد فعل ذلك الشيخان في صحيحيهما، فاستشهد البخاري في الصحيح برواية عبد الكريم بن أبي المخارق وغيره من الضعفاء، ولم يحتج بهم في الأصول، وعبد الكريم ضعيف باتفاق واستشهد به أيضا في باب التهجد من صحيحه، فإذا تقرر هذا فقد جاء ما يفسر حديث رفاعة وحديث أبي حميد وأصحابه وفيه نص وهو ما رواه الطبراني في معجمه الكبير من طريق محبوب بن الحسن والخطيب بن جحدر عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه قبل أذنيه فإذا كبر أرسلهما ثم سكت. وفي رواية وربما أخذ الأولى بالثانية.
فهذا كما ترى نص في النزاع، ومعاذ لم يفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبوب بن الحسن وثقه ابن معين وأخرج له البخاري في صحيحه وأما ابن جحدر فهو وإن كان فيه مقال إلا أنه غير متهم، فصح أن يكون هذا الحديث مفسرا وعاضدا لحديث رفاعة وحديث أبي حميد وأصحابه، به يزول الإشكال ويرتفع القيل والقال مما ورد في الأخبار، وهناك رواية أخرى في الحديث الذي رواه الطبراني في الكبير عن معاذ بن جبل قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في صلاته رفع يديه قبال أذنيه فإذا كبر أرسلهما ثم سكت وربما رأيته يضع يمينه على يساره، ومن الأحاديث المصرحة بالإرسال ما أخرجه ابن أبي شيبة عن الحسن وإبراهيم وابن المسيب وابن سيرين وسعيد بن جبير أنهم كانوا يرسلون. وقال النووي في مجموعه قال الليث ابن سعد يرسلهما فإن طال عليه ذلك وضع اليمنى على اليسرى .
وقال الأوزاعي مخير بين الوضع والإرسال، قلت كلام الليث صريح في أن القبض عنده ليس من السنة وإنما هو من باب الاستراحة وهذا هو عين ما علل به مالك كراهيته لما فيه من الاعتماد، وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين أنه قال حين سئل عن الرجل يمسك بيمينه شماله قال إنما ذلك من أجل الروم، وروي عن الحسن أنه قال، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إلى أحبار بني إسرائيل واضعي أيمانهم على شمائلهم في الصلاة، وهكذا أخرج عن أبي مجلز وأبي عثمان النهدي وأبي الجوزاء، وهؤلاء كلهم من كبار التابعين وفيهم الحسن البصري الذي روى أبو داود في حديث وائل بن علقمة عن وائل بن حجر أن محمد بن جحادة قال: فذكرت ذلك للحسن بن أبي الحسن فقال هي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله من فعله وتركه من تركه.
وما نقل عن جميعهم يفهم منه النسخ، لأن نسبته لأحبار بني إسرئيل أو الروم دال دلالة صريحة على أنه ليس من سنته صلى الله عليه وسلم لأنه لا يقتدي بأحبار الروم ولا يأمر بالاقتداء بهم ولا ينسب إليهم شيئا من السنة، بل لقد نهى صلى الله عليه وسلم عن سؤالهم والاقتداء بهم وعن النظر في كتبهم. وروى ابن المنذر عن ابن الزبير والحسن البصري والنخعي أنه يرسلهما ولا يضع اليمنى على اليسرى.
وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن إبراهيم قال سمعت عمرو بن دينار قال كان ابن الزبير إذا صلى يرسل يديه ا هـ ومن الأحاديث الدالة على الإرسال كل حديث وصفت فيه صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وتعرض فيه لذكر المستحبات ولم يذكر فيها القبض لأن الإرسال هو الأصل كما لا يخفى. والقبض وصف زائد فإذا لم يذكر بقي الحال على الأصل الذي هو الإرسال.
ومن أدلة الإرسال ما عليه عمل أهل المدينة. وعمل أهل المدينة مقدم على خبر الآحاد عند مالك جاعلا له كالناسخ لما عارضه من خبر الآحاد، وذلك لأن الصحابة رضوان الله عليهم يأخذون بالمتأخر من أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم ولا يمكن أن يخفى عليهم المتأخر منها، فإذا وجد مالك رضي الله عنه عمل أهل المدينة المشحونة من التابعين على خلاف ذلك الخبر عمل بعمل أهل المدينة وترك الخبر لقرب عهده صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة الذين تلقوا منه الشريعة. وتلقاها منهم التابعون فلا يمكن للتابعين أن يجدوا الصحابة على عمل ويعملوا بخلافه، فعلم أن هذا العمل مستند إلى خبر متأخر ناسخ للخبر الذي قبله. فصار عمل أهل المدينة لهذا المعنى كالمتواتر.
والمتواتر مقدم قطعا على خبر الآحاد، وعمل أهل المدينة حجة عند مالك رحمه الله، والمقصود بعمل أهل المدينة مقصور على عمل الصحابة والتابعين بالمدينة خاصة لأنهم هم الذين يتوفر فيهم ما مر من نقل خلفهم عن سلفهم ما كان يعمل به صلى الله عليه وسلم ويحصل فيهم شرط التواتر كما مر. وإذا قال قائل: لم يثبت عندنا عمل أهل المدينة بالإرسال، ومن أين لنا بثبوته؟ فالجواب: أن قول مالك بالإرسال كاف في ثبوته لأن القائلين بالقبض يزعمون أنه لا يوجد حديث يدل على الإرسال مع ما قدمناه من الأحاديث الدالة عليه.
ومما هو دليل أيضا على أن عمل أهل المدينة على الإرسال كونه مذهب سعيد بن المسيب، وهو أحد كبار التابعين وأحد فقهاء المدينة السبعة أدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو أفضل التابعين على الإطلاق كما قال الإمام أحمد فهذا وحده كاف في ثبوت كون عمل أهل المدينة على الإرسال، ا هـ من أشد العلماء تعصبا للقبض بن عبد البر وقد قال في كتابه الكافي الذي ألفه في فقه مالك، وذكر في خطبته أنه اعتمد فيه على عمل أهل المدينة واقتصر فيه على الأصح عملا والأوثق نقلا ومن ذلك ما نصه: ووضع اليمنى منها على اليسرى وإرسالهما كل ذلك سنة في الصلاة، قلنا: إن آخر الأمرين الإرسال لما مر بيان ما عليه عمل أهل المدينة. فمالك لم يترك العمل بالحديث إلا لترك الصحابة القاطنين بالمدينة ومنهم العشرة المبشرون بالجنة العمل به والتابعين له.
فمالك رحمه الله جعل عمل أهل المدينة على خلاف خبر الآحاد مستندا إلى ناسخ لذلك الخبر لأن الصحابة رضوان الله تعالى عنهم إنما يأخذون بالمتأخر من أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم. والإرسال في مذهب الإمام مالك هو المشهور والراجح وذلك معلوم حتى عند علماء المذاهب الخارجة، وقد قال النووي في شرح مسلم، وعن مالك رحمه الله روايتان: إحداهما يضعهما تحت صدره والثانية يرسلهما ولا يضع إحداهما على الأخرى وهذه رواية جمهور أصحابه وهي الأشهر عندهم. وفي فتح الباري لابن حجر العسقلاني وروى ابن القاسم عن مالك الإرسال وصار إليه أكثر أصحابه، وأما كونه هو الراجح في المذهب فلأن الراجح هو ما قوي دليله وأحاديث القبض كلها ضعيفة، وذكرنا أحاديث الإرسال الدالة دلالة صريحة أو التزامية، وأنها سالمة من الطعن الواقع في أحاديث القبض ومن تلك الأحاديث الدالة على سنية السدل حديث أبي حميد الساعدي لصحته الصحة التامة ودلالاته على الإرسال دلالة صريحة، وقد قال في فتح الباري أنه أخرجه البخاري وأبي داوود والترمذي وأحمد وابن خزيمة ونكرر هنا ذلك الحديث وإن سبق ذكره ونسوق رواية أبي داود لما فيها من الزيادة الدالة على الإرسال صراحة ولفظه قال حدثنا أحمد حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد (ح) وحدثنا مسدد، حدثنا يحيى وهذا حديث أحمد أنبانا عبد الحميد يعني ابن جعفر أخبرني محمد ابن عمرو بن عطاء قال سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو قتادة قال أبو حميد أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا:فلم ؟ فوالله ما كنت بأكثرنا له تبعا ولا أقدمنا له صحبة. قال بلى، قالوا: فأعرض، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يكبر حتى يقر كل عظم في موضعه معتدلا، ثم يقرأ ثم يكبر فيرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه، ثم يعتدل فلا يصوب رأسه ولا يقنع ثم يرفع رأسه فيقول سمع الله لمن حمده ثم يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه معتدلا ثم يقول الله أكبر ثم يهوي إلى الأرض فيجافي يديه عن جنبيه ثم يرفع رأسه ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها حتى يرجع كل عظم إلى موضعه ثم يصنع في الأخرى مثل ذلك ثم إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه(1) حتى يحاذي بهما منكبيه كما كبر عند افتتاح الصلاة، ثم يصنع ذلك في بقية صلاته حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم آخر رجله اليسرى وقعد متوركا على شقه الأيسر، قالوا: صدقت هكذا كان يصلي صلى الله عليه وسلم. انتهى.
فانظر هذا الحديث الذي رجاله رجال الصحيح صرح فيه بالسدل في قوله إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يكبر حتى يقر كل عظم في موضعه معتدلا قال في فتح الباري وفي رواية هشيم عند عبد الحميد ثم يمكث قائما حتى يقع كل عظم موقعه ثم يقرأ إلى آخره. فغير خاف على عامي فضلا عن عالم أن معنى: (يقر) و(يقع) في الروايتين يثبت ويستقر في محله ولا شك أن محل اليدين من الإنسان جنباه وذلك هو الإرسال بعينه لا ينازع في ذلك إلاَّ مجنون أو مكابر في المحسوس. انتهى باختصار من كتاب إبرام النقض لما قيل من أرجحية القبض بتصرف يسير حسب الحاجة.
وبهذا الحديث الصحيح ختمت هذه العجالة المباركة المختصرة من أقوال الأئمة المجتهدين حول حكم السدل في الصلاة، فخذها أيها السائل المتعطش جوابا تاما كافيا شافيا مختصرا، فكن من أهل التسليم والاعتقاد ولا تكن من أهل التعصب والانتقاد فقد عرفت من خلال ما تقدم بإيجاز أن السدل سنة ومندوب في الصلاة على مذهب إمامنا مالك كما ذكر أئمة الفروع الفقهية كالشيخ خليل وشراحه وغيرهم. ومستندهم جميعا هو هذا الحديث المذكور أعلاه المدعوم بما سبق ذكره من الدلائل وبعمل أهل المدينة اعتمده إمام الأئمة مالك بن أنس رضي الله عنه فلم يبق للإنسان الذي يريد الحقيقة ويبحث عنها إلا أن يسلم ويستسلم وينقاد للحقيقة ويعترف بأن ما ذهب إليه مالك رحمه الله هو الأحوط والأجدر بالإتباع. وأن من صلى بكلتي الحالتين السدل أو القبض فصلاته صحيحة كاملة تامة غير ناقصة غير أن السدل هو الأفضل والأحسن وهو الأشهر والأرجح على مذهب الإمام مالك الذي اتبعه المغاربة قاطبة منذ رسوخ الإسلام في هذا الوطن العزيز، وتوحدت به كلمة المغاربة واجتمع عليه صفهم ورأيهم وإجماعهم منذ دخول المولى إدريس الأول إلى المغرب حتى ظهرت في الآونة الأخيرة بعض الفرق التي قلدت المشارقة في كيفية صلاتهم وصيامهم وحجهم رغم الدعوات المتكررة للعلماء إلى وجوب الالتزام بالمذهب المالكي والعمل به إلا أن الشباب يستهويه كل جديد حتى ظنوا أن في الدين جديدا وذلك هو السبب فيما يلاحظ في وسط الساحة الاجتماعية من خلافات وصراعات فكرية حتى يفقد الإنسان في بيته ومسجده مع من يصلي مطمئنا براحة باله من أجل كثرة التكلفات في الصلاة من تفريق الرجلين كثيرا ومجافاة المرفقين حتى يسع المصلي الواحد مساحة صلاة رجلين أو ثلاثة وكذلك تكرار قد قامت الصلاة في الإقامة والسكتة بعد تكبيرة الإحرام هنيهة قليلة لا تفي حتى لقراءة دعاء الاستفتاح إن كان المقصود قراءته ولو كره عند مالك.
وكذلك رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام حتى يقبض بهما أذنيه وكذلك الجهر بالتامين جهرا ينافي الخشوع لقوة النطق به وأما رفع اليدين في التكبير عند الركوع وعند الرفع منه فإنه منسوخ بدليل ما أثبته العيني في عمدة القارئ شرح صحيح البخاري جزء 5 ص 398 إن الرفع عند الركوع وعند الرفع منه منسوخ.هـ وأحسن كلام في هذا الباب وأعدله ما نقله ابن بطال في شرحه للبخاري الجزء 2 ص 423 قال: اختلف العلماء في رفع اليدين في الصلاة فذهبت طائفة إلى رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام خاصة. روي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وهو قول الثوري وأبي حنيفة ورواه ابن القاسم عن مالك واحتج أهل هذه المقالة بحديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كبر لافتتاح الصلاة رفع يديه ثم لا يعود، وبحديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود).
وقال محمد المختار بن عابدين الشنقيطي في كتابه(تبكيت المالكي الهاتك حجاب المذهب المالكي) ما نصه: إن حديث ابن عمر الوارد في رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه مضطرب في مواضع الرفع وانه منسوخ عند المالكية ومن قال بقولهم، وأن الإمام مالك ممن رواه ولم يعمل به وان محل عمل المقلد بالحديث الصحيح إذا علم أن الإمام المجتهد الذي يقلده لم يطلع عليه . فقد قال علماؤنا في شرح حديث ابن عمر المذكور: لم يأخذ الإمام مالك بالرفع في غير حالة الافتتاح لان نافعا وقف هذا الحديث على ابن عمر، فاختلف نافع مع سالم فيه قالوا: فلهذا رجح مالك عدم الأخذ بحديث سالم في غير الافتتاح فقط.
وقال الإمام المتحدث الشيخ محمد زكرياء الحنفي في شرح الموطأ: الحق أن حديث ابن عمر رضي الله عنهما- مع أنه مخرج في الصحيحين مضطرب في مواضع الرفع ولعل ذلك السر في أن الإمام مالك لم يأخذ به...وقال في الإبرام: ومع كثرة من روى هذا الحديث من الصحابة لم يعمل به أبو حنيفة وكثير من الأئمة كالثوري والحنفي وابن أبي ليلى والأسود وخثيمة والمغيرة ووكيع وعاصم وابن مسعود وجابر بن سمرة والبراء وابن عمر وأبي سعيد الخدري وجميع أهل الكوفة قال: وإنما اعتمد مالك الذي رواه في ترك العمل وجميع من ذكر على أنه منسوخ واحتجوا على نسخه بما رواه احمد وأبو داود والترمذي والنسائي والدار قطني والبيهقي وابن أبي شيبة والطحاوي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال لأصلين لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فلم يرفع يديه إلا في أول مرة: قال ورواه ابن عدي والدارقطني والبيهقي بلفظ صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلم يرفعوا أيديهم إلا عند الاستفتاح قال وهذا الحديث حسنه الترمذي وصححه ابن قطان والدارقطني والإمام احمد قالوا: وقد وصف أبو حميد الساعدي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري وغيره، ولم يذكر من الرفع إلا الرفع عند تكبيرة الإحرام.
قال الترمذي وبذلك يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين. وما تقدم عن مؤلف كتاب الإبرام من أن حديث رفع اليدين عند الركوع والرفع منه منسوخ قاله أيضا غيره فقد قال في التاج اثبت العيني في شرح البخاري أن الرفع عند الركوع والرفع منه منسوخ.
وقال في السراج رفع اليدين عند الركوع والرفع منه مكروه عندنا معشر المالكية . انتهى من تبكيت المالكي تأليف محمد المختار بن عابدين باختصار.
ومما يفعله بعض المخالفين للمذهب أيضا في صلاتهم تقديم الركبتين عند السجود وتأخير وضع الكفين عكس ما هو عند الإمام مالك، وكذلك تأخير الركبتين في القيام من السجدة وإحداث جلسة زائدة أثناء ذلك مثل جلسة الاستراحة بعد الركعة الأولى. مخالفا بذلك هيئة الصلاة المعروفة عند المالكية ثم إن هذا الجلوس الذي يفعله بعض المنتمين إلى المذهب المالكي مخالف لما هو عليه عمل أهل المدينة الذين من جملتهم الخلفاء الذين أمرنا بالثبات على سنتهم . ومخالف لما عليه الجمهور. مالك وأبو حنيفة واحمد والثوري والاوزاعي وإسحاق وغيرهم وقالوا إن هذا الجلوس لا يستحب بل إذا ارفع رأسه من السجود نهض قائما.
قال الترمذي وعلى هذا العمل عند أهل العلم وقال أبو الزناد ذلك السنة وفي بلغة السالك. إن الجلوس بعد الركعة الأولى أو الثالثة غير مشروع وأنه يبطل الصلاة إن فعل عمدا أو جهلا فليتنبه لذلك. وكيفية النهوض من السجود أن ينهض على صدور قدميه وعليه الجمهور ومالك وأبو حنيفة واحمد. وفي عمدة القارئ شرح صحيح البخاري ج 6 ص 141 ما نصه وفي التمهيد اختلف العلماء في النهوض من السجود إلى القيام فقال مالك والاوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه: ينهض على صدور قدميه ولا يجلس وروى الترمذي عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهض في الصلاة على رؤوس قدميه. ثم قال والعمل عليه عند أهل العلم وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن عبد الله بن مسعود أنه كان ينهض في الصلاة على رؤوس قدميه ولم يجلس. انتهى
وأما كيفية السجود هل يقدم يديه اذا انحط من القيام للسجود أو يقدم ركبتيه؟ فالجواب يقدم يديه لأنه الأصح والأقوى فقد قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام ص 62 ما نصه عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه" أخرجه الثلاثة أبو داود والترمذي والنسائي.
وفي نيل الأوطار ج2 ص 282 وروى الحازمي عن الأوزاعي أنه قال: أدركت الناس يضعون أيديهم قبل ركبهم قال أبو داود وهو قول أصحاب الحديث واحتجوا بحديث أبي هريرة وهو أقوى لان له شاهدا من حديث ابن عمر وأخرجه ابن خزيمة وصححه وذكره البخاري تعليقا موقوفا. انتهى
وتقديم اليدين هو مذهب أهل المدينة من الصحابة والتابعين لأن مذهبهم هو مذهب مالك كما مر. وإذا نهض المصلي من السجود رفع ركبتيه قبل يديه قال الدسوقي لما رواه أبو داود والنسائي من قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يبركن أحدكم كما يبرك البعير ولكن يضع يديه قبل ركبتيه" ومعناه أن المصلي لا يقدم ركبتيه عند انحطاطه للسجود كما يقدمها البعير عند بروكه ولا يؤخرها في القيام كما يؤخرها البعير في قيامه. انتهى.
وكذلك القيام بتكلف وانحناء الرأس إلى جهة اليمين مما ينافي الاعتدال المطلوب في الصلاة . وكذلك وطء المصلي برؤوس أصابع رجليه على رؤوس أصابع رجلي مصل آخر بجنبه ولا أدري من أين لهم بذلك. وكذلك التسليم مرتين. إلى آخر ما أحدثوه في الصلاة من كل ما يخالف المذهب المالكي. فهذه الخلافات كلها تقلق راحة المصلي ويفقد بها خشوعه في الصلاة . فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى آله وصحابته أجمعين والحمد لله رب العالمين.
وكتبه: مولاي البشير أعمون التناني أقال الله عثرته وستر عيبه آمين
قائمة المراجع المعتمدة في إنجاز هذا البحث
- فتح الباري على صحيح البخاري: للحافظ ابن حجر العسقلاني.
- شرح النووي على صحيح مسلم.
- الكافي لابن عبد البر.
- بداية المجتهد ونيابة المقتصد: لابن رشد.
- حاشية الدسوقي على الدريدري: شرح خليل.
- حاشية ابن حمدون على ميارة: شرح المرشد المعين.
- الشيخ زروق على الرسالة.
- بلوغ الغاية المقصودة والضالة المنشودة على مسألة القبض والسدل والبسملة في الصلاة المفروضة: تأليف السيد عمرو الكميتي الأزموري، الطبعة الأولى 1356هـ، طبع بالمطبعة العربية، باب الكبير الدار البيضاء.
- القول الفصل في تأييد سنة السدل: تأليف الشيخ محمد عابد مفتي المالكية بمكة المكرمة، مطبوع بمطبعة الترقي الماجدية بمكة المكرمة، 1329هـ.
- إبرام النقض لما قيل من أرجحية القبض: تأليف محمد الخضر بن مايابا الشنقيطي المالكي مفتي المدينة المنورة، طبع بمطبعة الحاج عبد السلام بن شقرون، بمصر سنة 1348هـ.
- الحجة البيضاء على إثبات استحباب السدل وكراهية القبض: تأليف العلامة سيدي المهدي الوزاني، طبع بالمطبعة المولوية بفاس على نفقة السلطان مولاي عبد الحفيظ رضي الله عنه، سنة 1328هـ.
- زهرة الأفكار في الرد على المخالف بالقبض في هذه الأعصار: تأليف السيد عبد السلام ابن الطيب بن عبد الرحمان الشرفي، طبع بالمطبعة الحجرية، سنة 1316هـ.
- انتصار المجتهد المجد، وانتحار المقلد الملد: تأليف محمد العربي البهلولي بن عمر الرحالي المراكشي (مطبوع).
- تحفة الأخيار في الرد على القائلين بالقبض : كتاب مخطوط.
- فتاوى مخطوطة لكبار العلماء.
- الوهابية في صورتها الحقيقية: كتاب مطبوع بمصر.
- النوازل الصغرى والكبرى لسيدي محمد بن المهدي الوزاني، طبع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب.
- تبكيت المالكي الهاتك حجاب المذهب المالكي تأليف محمد المختار بن عابدين الشنقيطي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق