الأحد، 18 أغسطس 2024

الأسماء والصفات والاخوان المسلمين

 

شبهة الأسماء والصفات

اذهب إلى التنقلاذهب إلى البحث
شبهة الأسماء والصفات


يجب أن نفرق بين العقيدة وبين الشبهات التي أثيرت حول بعض أمور العقيدة وتم الرد عليها من علماء الإسلام في وقتها حتى لا تدرس هذه الشبهات على أنها عقيدة ، ومن هذه الشبهات ما أثير حول موضوع الإيمان بصفات الله تعالى وأفعاله.

أسماء الله.gif

ولقد انقسمت الآراء حول هذه المسألة إلى أربع فرق حررها فضيلة الشيخ حسن البنا بقوله :

1 - فرقة أخذت بظواهر النصوص كما هي ، فنسبت إلى الله وجها كوجوه الخلق ، ويدا كأيديهم ، وضحكا كضحكهم ، وهكذا ، وهؤلاء هم المجسمة والمشبهة ، وليسوا من الإسلام في شيء وليس لقولهم نصيب من الصحة، ويكفي في الرد عليهم قول الله تعالى : "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " (الشورى : 11 ) . وقوله تعالى : " قل هو الله أحد *الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد " (الإخلاص ) .

2 - فرقة عطلت معاني هذه الألفاظ على وجه يقصدون بذلك نفي مدلولاتها مطلقا عن الله تبارك وتعالى . فالله تبارك وتعالى عندهم لا يتكلم ولا يسمع ولا يبصر ، لأن ذلك لا يكون إلا بجارحة والجوارح يجب أن تنفي عنه سبحانه فبذلك يعطلون صفات الله تبارك وتعالى ويتظاهرون بتقديسه وهؤلاء هم المعطلة . . ويطلق عليهم بعض علماء تاريخ العقائد الإسلامية الجهمية ، ولا أظن أن أحدا عنده مسكة من عقل يستسيغ هذا القول المتهافت ، ولقد ثبت الكلام والسمع والبصر لبعض الخلائق بغير جارحة ، فكيف يتوقف كلام الحق تبارك وتعالى على الجوارح ؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .

وهذان رأيان باطلان لاحظ لهما من النظر ، وبقى أمامنا رأيان هما محل أنظار العلماء في العقائد ، وهما رأي السلف ورأي الخلف.

3 –أما السلف رضوان الله عليهم فقالوا : نؤمن بهذه الآيات والأحاديث كما وردت ، ونترك بيان المقصود منها لله تبارك وتعالى ، فهم يثبتون اليد والعين والأعين والاستواء والضحك والتعجب . . الخ وكل ذلك بمعان لا ندركها ، ونترك لله تبارك وتعالى الإحاطة بعلمها ، ولا سيما وقد نهينا عن ذلك في قول النبي: " تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا في الله فإنكم لن تقدروه قدره " . قال العراقي : رواه أبو نعيم في (الحلية) بإسناد ضعيف ، ورواه الأصبهاني في الترغيب والترهيب بإسناد أصح منه ، مع قطعهم -رضوان الله عليهم -بانتفاء المشابهة بين الله وبين الخلق.

وإليك أقوالهم في ذلك :

أ - روي أبو القاسم اللالكائي في ( أصول السنة ) عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة رضي الله عنهما قال : ( اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب : على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله !ذ في صفة الرب عز وجل من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه ، فمن فسر اليوم شيئا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وفارق الجماعة ج فإنهم نم يصفوا ولم يفسروا ، ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا ) .

ب - وذكر الخلال في كتاب ( السنة ) عن حنبل وذكره حنبل في كتبه مثل كتاب (السنة والمحنة ) قال حنبل : ( سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تروي ( أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى سماء الدنيا ) . و ( إن الله يرى) و ( إن الله يضع قدمه ) وما أشبه هذه الأحاديث ؟ فقال أبو عبد الله : نؤمن بها ونصدق بها ولا كيف ولا معنى ولا نرد منها شيئا ، ونعلم أن ما جاء به الرسول ( حق إذا كان بأسانيد صحاح ، ولا نرد على الله قوله ، ولا يوصف الله تبارك وتعالى بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية ، لجس كمثله شيء ).

ج – وروي حرملة بن يحيى قال : سمعت عبد الله بن وهب يقول : (سمعت مالك بن أنس يقول : من وصف شيئا من ذات الله مثل قوله : " وقالت اليهود يد الله مغلولة " (المائدة : 64)، فأشار بيده إلى عنقه ، ومثل قوله :" وهو السميع البصير " فأشار إلى عينيه أو أذنه أو شيء من يديه ، قطع ذلك منه ؟ لأنه شبه الله بنفسه ثم قال مالك : أما سمعت قول البراء حين حدث أن النبي !بز لا يضحي بأربع من الضحايا وأشار البراء بيده كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم قال البراء : ويدي أقصر من يد رسول الله !و فكره البراء أن يصف يد رسول الله !نه إجلالا له وهو مخلوق ، فكيف الخالق الذي ليس كمثله شيء ؟!

د – وروي أبو بكر الأثرم ، وأبو عمرو الطلمنكي وأبو عبد الله بن أبي سلمة : الماجشون كلاما طويلا في هذا المعنى ختمه بقوله : ( فما وصف الله من نفسه فسماه على لسان رسوله سميناه كما سماه ، ولم نتكلف منه صفة ما سواه ، لا هذا ولا هذا ، لا نجحد ما وصف ، ولا نتكلف معرفة ما لم يصف ) .

4 - مذهب الخلف في آيات الصفات وأحاديثها :

قدمت لك أن السلف ، رضوان الله عليهم ، يؤمنون بآيات الصفات وأحاديثها كما وردت ، ويتركون بيان المقصود منها لله تبارك وتعالى ، مع اعتقادهم بتنزيه الله تبارك وتعالى عن المشابهة لخلقه . فأما الخلف فقد قالوا : ( إننا نقطع بأن معاني ألفاظ هذه الآيات والأحاديث لا يراد بها ظواهرها ، وعلى ذلك فهي مجازات لا مانع من تأويلها ، فأخذوا يؤولون (الوجه ) بالذات و ( اليد ) بالقدرة وما إلى ذلك ؟ هربا من شبهة التشبيه . وإليك نماذج من أقوالهم في ذلك :

ا – قال أبو الفرج بن الجوزي الحنبلي في كتابه ( دفع شبهة التشبيه ) : قال الله تعالي: : " ويبقى وجه ربك " ، قال المفسرون : يبقى ربك ، وكذلك قالوا في قوله تعالى" يريدون وجهه" أي يريدونه . وقال الضحاك وأبو عبيدة : " كل شئ هالك إلا وجهه" أي إلا هو . وعقد في أول الكتاب فصلا إضافيا في الرد على من قالوا إن الأخذ بظاهر هذه الآيات والأحاديث هو مذهب السلف ؟ وخلاصة ما قاله أن الأخذ بالظاهر هو تجسيم وتشبيه ؟ لأن ظاهر اللفظ هو ما وضع له ، فلا معنى لليد حقيقة إلا الجارحة، وهكذا وأما مذهب السلف فليس أخذها على ظاهرها ، ولكن السكوت جملة عن البحث فيها ، وأيضا فقد ذهب إلن تسميتها آيات صفات ، وأحاديث صفات تسمية مبتدعة لم ترد في كتاب ولا في سنة ، وليست حقيقية فإنها إضافات ليس غير، واستدل على كلامه في ذلك بأدلة كثيرة لا مجال لذكرها هنا

2 - وقال فخر الدين الرازي في كتابه ( أساس التقديس ) : وأعلم أن نصوص القران لا يمكن إجراؤها على ظاهرها لوجوه :

الأول : أن ظاهر قوله تعالى : " ولتصنع على عيني " يقتضي أن يكون موسى عليه السلام مستقرا على تلك العين ملتصقا بها مستعليا عليها وذلك لا يقوله عاقل .

والثاني : أن قوله تعالى  : " واصنع الفلك بأعيننا " يقتضي أن يكون آلة تلك الصنعة هي تلك العين . والثالث ، أن إثبات الأعين في الوجه الواحد قبيح فثبت أنه لابد من المصير إلن التأويل ، وذلك هو أن تحمل هذه الألفاظ على شدة العناية والحراسة .

3- قال الإمام الغزالي في الجزء الأول من كتابه ( إحياء علوم الدين ) عند كلامه على نسجة العلم الظاهر إلى الباطن وأقسام ما يتأتى فيه الظهور والبطون ، والتأويل وغير التأويل :

القسم الثالث أن يكون الشيء بحيث لو ذكر صريحا لفهم ولم يكن فيه ضرر، ولكن يكني عنه على سبيل الاستعارة والرمز ؟ ليكون وقعه في قلب المستمع أغلب . . ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : "إن المسجد لينزوي من النخامة كما تنزوي الجلدة على النار"، ومعناه أن روح المسجد وكونه معظما ، ورمي النخامة فيه تحقير له فيضاد معنى المسجدية مضادة النار لاتصال أجزاء الجلدة . وأنت ترى أن ساحة المسجد لا تنقبض من نخامة ، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار" ، وذلك من حيث الصورة لم يكن قط ولا يكون ، ولكن من حيث المعنى هو كائن ؟ إذ رأس الحمار لم يكن بحقيقته وكونه وشكله بل بخاصيته ، وهي البلادة والحمق ، ومن رفع رأسه قبل الإمام فقد صار رأسه رأس الحمار في معنى البلادة والحمق ، وهو المقصود دون الشكل . وإنما يعرف أن هذا السر على خلاف الظاهر، أما بدليل عقلي أو شرعي . أما العقلي فأن يكون حمله على الظاهر غير ممكن ، كقوله صلى الله عليه وسلم : "قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن" ، إذ لو فتشنا عن قلوب المؤمنين لم نجد فيها أصابع ، فعلم أنها كناية عن القدرة التي هي سر الأصابع وروحها الخفي ، وكنى بالأصابع عن القدرة لأن ذلك أعظم وقعا في تفهم تمام الاقتدار ) .

وقد نعرض لمثل هذا الكلام في موضع أخر من هذا البحث وفيما ذكرناه كفاية . ثم يقارن الإمام البنا بين مذهب السلف والخلف إلى نا وضح أمامك طريقا السلف والخلف ؟ وقد كان هذان الطريقان مثار خلاف شديد بين علماء الكلام من أئمة المسلمين ، وأخذ كل يدعم مذهبه بالحجج والأدلة ، ولو بحثت الأمر لعلمت أن مسافة الخلاف بين الطريقين لا تحتمل شيئا من هذا لو ترك أهل كل منهما التطرف والغلو، وأن البحث في مثل هذا الشأن ، مهما طال فيه القول ، لن يؤدي في النهاية إلا إلى نتيجة واحدة ، هي التفويض لله تبارك وتعالى، وذلك ما سنفصله لك إن شاء الله تعالى . ثم قارن الشيخ البنا - رحمه الله – بين مذهب السلف والخلف فقال :

بين السلف والخلف :

قد علمت أن مذهب السلف في الآيات والأحاديث التي تتعلق بصفات الله تبارك وتعالى أن بمروها على ما جاءت عليه ، ويسكتوا عن تفسيرها أو تأويلها ؟ وأن مذهب الخلف أن يؤولوها بما يتفق مع تنزيه الله تبارك وتعالى عن مسابقة خلقه . وعلمت أن الخلاف شديد بين أهل الرأيين حتى أدى بينهما إلى التنابز بالألقاب العصبية ؟ وبيان ذلك من عدة أوجه :

أولا : اتفق الفريقان على تنزيه الله تبارك وتعالى عن المشابهة لخلقه .

ثانياً : كل منهما يقطع بأن المراد بألفاظ هذه النصوص في حق الله تبارك وتعالىغير ظواهرها التي وضعت لها هذه الألفاظ في حق المخلوقات ، وذلك مترتب على اتفاقهما على نفي التشبيه .

ثالثاً : كل من الفريقين يعلم أن الألفاظ توضع للتعبير عما يجول في النفوس أو يقع تحت الحواس مما يتعلق بأصحاب اللغة وواضعيها ، وأن اللغات مهما اتسعت ، لا تحيط بما لجس لأهلها بحقائقه علم ، وحقائق ما يتعلق بذات الله تبارك وتعالى من هذا القبيل ، فاللغة أقصر من أن تواتينا بالألفاظ التي تدل على هذه الحقائق ، فالتحكم في تحديد المعاني بهذه الألفاظ تغرير . وإذا تقرر هذا فقد أتفق السلف والخلف على أصل التأويل ، وانحصر الخلاف بينهما في أن الخلف زادوا تحديد المعنى المراد حيثما ألجأتهم ضرورة التنزيه إلى ذلك حفظا لعقائد العوام من شبهة التسبيه ، وهو خلاف لا يستحق ضجة ولا إعناتا.

وأخيرا يختار الإمام البنا مذهب السلف ويرجحه فيقول : (ونحن نعتقد أن رأي السلف من السكوت وتفويض علم هده المعاني إلى الله تبارك وتعالى أسلم وأولى بالاتباع ، حسما لمادة التأويل والتعطيل ؟ فإن كنت ممن أسعده الله بطمأنينة الإيمان ، وأثلج صدره ببرد اليقين فلا تعدل به بديلا ؟ ونعتقد إلى جانب هذا أن تأويلات الخلف لا توجب إليكم عليهم بكفر ولا فسوق ، ولا تستدعى هذا النزاع الطويل بينهم وبين غيرهم قديما وحديثا، وصدر الإسلام أوسع من هذا كله) .

هذا وبعد كل هذا الإيضاح والتفصيل الجيد وجمع الآراء وتمحيصها يأتي من يورد بعض الشبه تلصصا وحملا على ما لا يريده الشيخ ( وهذا شيء معروف القصد فيه والمراد منه ، لا يغمض فهمه على اللبيب أو إدراكه على المتجرد من الأحقاد والأضغان فضلا عن العلماء والباحثين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق