💥جمع الصلاة في الغبار الشديد
السؤال: شيخنا هل يجوز الجمع بين الصلاتين في الرياح التي تحمل غبارا شديدا؟ جزاكم الله خيرا.
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف الفقهاء في الجمع بين الصلاتين بسبب الريح الشديد والغبار والطين ؛ وذلك لأن الرخصة في الجمع إنما وردت في المطر، ولم يرد في الغبار مع امكانية وجوده في عهده عليه الصلاة والسلام.
فقد ذهب جمهور الفقهاء - إلا الحنفية - إلى جواز الجمع بين المغرب والعشاء بسبب المطر المبَلِل للثياب، والثلج والبرد والوحل ، وأجاز الشافعية كذلك الجمع بين الظهر والعصر بسبب المطر ولم يجوزوا الجمع لغير المطر؛ لأصلهم في عدم التوسع في الرخص.
وقد توسع فقهاء المالكية والحنابلة في ذلك فقاسوا غير المطر كالغبار والطين والريح الشديدة الباردة عليه بجامع المشقة، فذهب الحنابلة في قول بجواز الجمع بسبب حصول الريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة.
قال الامام ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى في [المغني 2/ 203]: (أما الريح الشديدة، في الليلة المظلمة الباردة، ففيها وجهان: أحدهما، يبيح الجمع، قال الآمدي: وهو أصح، وهو قول عمر بن عبد العزيز؛ لأن ذلك عذر في الجمعة والجماعة، والثاني، لا يبيحه؛ لأن المشقة فيه دون المشقة في المطر، فلا يصح قياسه عليه، ولأن مشقتها من غير جنس مشقة المطر، ولا ضابط لذلك يجتمعان فيه، فلم يصح إلحاقه به).
واما فقهاء المالكية فقالوا لا بد من اجتماع الطين والظلمة؛ لجواز الجمع بين المغرب والعشاء، جاء في [مختصر خليل ص/44]: (وفي جمع العشاءين فقط بكل مسجد لمطر أو طين مع ظلمة، لا طين أو ظلمة).
فالجمع بين الصلوات سواء كان بسبب المطر، أم بسبب الريح والبرد الشديد او الغبار رخصة في حق من وجد المشقة، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما في صحيح مسلم قال: (( إن النبي عليه الصلاة والسلام جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر، فقيل لابن عباس لم فعل ذلك قال: أراد أن لا يحرج أمته)). قال العلماء : فابن عباس رضي الله عنهما قعّد للمسألة قاعدة، ويمكن أن ندرج تحتها كل مستجد ونازلة ولو لم يُنَص عليها بحديث ومنها الغبار .
ولكن اذا ذهب امام المسجد الى عدم جواز الجمع بين الصلاتين بوجود الغبار، وكان المصلي يتضرر من حضور الجماعة في المسجد، فله أن يصلي في البيت، ويجوز تحمل المشقة اذا لم تتضرر صحته للحصول على أجر الجماعة، وذلك للأحاديث الصحيحة في مشروعية الصلاة في البيوت حال نزول المطر الشديد، والحرج في الوصول إلى المسجد، ومنها حديث جابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام في سَفَرٍ فَمُطِرْنَا فَقَالَ: ((لِيُصَلِّ مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ في رَحْلِهِ)) رواه مسلم.
قال الامام النووي رحمه الله تعالى في [شرح النووي على مسلم 5/ 207]: ( هذا الحديث دليل على تخفيف أمر الجماعة في المطر ونحوه من الأعذار، وأنها متأكدة إذا لم يكن عذر، وأنها مشروعة لمن تكلف الإتيان إليها وتحمل المشقة؛ لقوله في الرواية الثانية: "ليصل من شاء في رحله").
قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى، في [الشرح الممتع 4/392] : (لكن لو فرض أن هذه الرياح الشديدة تحمل تراباً يتأثر به الإِنسان ويشق عليه، فإنها تدخل في القاعدة العامة، وهي المشقة، وحينئذٍ يجوز الجمع). والله تعالى أعلم.
د. ضياء الدين عبدالله الصالح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق